هل يمكن ان نكون مثلهم؟؟؟؟

الكرة اليوم كرتان، واحدة تمارس هناك في أوروبا وأخرى نمارسها نحن في عالمنا العربي وفي إفريقيا وبينهما نظريا وعمليا فرق شاسع منذ زمان، سيستمر لا محالة إذا استمرت الفروقات بين المجتمعين في مجالات أخرى غير الكرة، وإذا ازدادت الهوة بيننا وبينهم، ولكننا في كل مرة نتوقف نحن الإعلاميين والجماهير والرياضيين عند الأمر لنقارن بينهما دون التطرق إلى لب الموضوع والمقارنة بين البلدان والمجتمعات والثقافات والاقتصاديات والفروقات الموجودة بيننا، ودون التعمق في الأسباب الحقيقية و العوامل وكل الظروف المحيطة والمأثرة في كرة القدم وكل الرياضات.
نريد أن نحصد مثلهم دون أن نزرع، ونريد الفوز دون اجتهاد، ونكون مثلهم دون المرور على كل المتطلبات والواجبات والتضحيات والشروط التي يجب أن تتوافر في مشاريعنا و تشريعاتنا ومرافقنا وجمعياتنا وشباننا وإطاراتنا وإعلامنا، ونريد منافستهم والتفوق عليهم..
الصحافي عندما يقارن بين الكرة العربية والأوربية ينسى المقارنة بينه وبين الصحافي الأوروبي، والمناصر ينسى مقارنة نفسه بالمناصر الأوروبي، واللاعب والمدرب والحكم والمسير يريدون مقارنة المزايا والإمكانيات والظروف وينسون مقارنة مهاراتهم وقدراتهم بأمثالهم من الأوربيين، وينسون أنفسهم وواقعهم السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي يختلف كلية عن كل بقاع الدنيا، فتجدهم يطالبون بمزايا نظرائهم دون الخضوع لنفس القواعد والشروط والمتطلبات.
ننسى كلنا المهنية والاحترافية والانضباط والاجتهاد ونغرق في العموميات والسطحيات والمزايا دون الواجبات، ونعتقد بأن كرة القدم متعة وفوز وأموال وشهرة دون تضحيات وجهد واستثمار وانضباط، وننسى بأنها جزء من التنمية الاجتماعية للدول والأفراد، ويقاس بها تطور المجتمعات والدول.
في كل مرة نتحدث عن الكرة عندنا وعندهم تقتصر المقاربة على الأداء والنتائج وعلى أمور شكلية بعيدة عن العمق ونتساءل بسذاجة لماذا ينظمون كأس العالم ويفوزون بها وبطولاتهم أفضل من بطولاتنا واتحاداتهم أحسن تنظيما من اتحاداتنا ولاعبوهم أفضل من لاعبينا وملاعبهم أجمل من ملاعبنا وجماهيرهم أكثر وعيا من جماهيرنا واحترافهم أفضل من احترافنا وتغطياتهم الصحفية أفضل من تغطياتنا.
هل يعقل أن نكون مثلهم بعيدا عن الديمقراطية والحرية والشفافية والعدالة الاجتماعية والتنمية الثقافية والاقتصادية، وبعيدا عن الاحتراف الفعلي وليس الشكلي الحاصل في بعض بلداننا التي تعتقد بأن الأمر يحتاج إلى قرار وفقط؟
هل يعقل أن نكون مثلهم وقادتنا ومسؤولونا قابعون في مناصبهم منذ سنين، لا يتذكرون الكرة والرياضة إلا عند حاجتهم إليها لاستغلالها سياسيا واجتماعيا، ولا يدركون أهميتها ويعتبرونها ممارسة للتسلية والترفيه، ولا يستثمرون فيها وفي الملايين من الشباب الممارس والعاشق لها؟
هل يعقل أن أن تكون الكرة الجزائرية والمصرية والسعودية مثل الكرة الاسبانية والانجليزية والايطالية، في وقت تختلف فيه بلداننا عن نظيراتها في كل شيء؟
الحقيقة أننا لن نكون مثلهم أبدا كرويا إذا لم نلحق بهم سياسيا واقتصاديا وفكريا وثقافيا، وكي نلحق بهم يلزمنا الوعي ثم التخطيط وتوفير الإمكانيات ورسم الأهداف وإعطاء الكلمة للكفاءات، والاستغلال الأمثل للإمكانيات التي نتوفر عليها، وتلزمنا التنمية الشاملة للأفراد والدول، وإلا سنبقى هواة في تفكيرنا وممارساتنا وتعاملنا مع بعضنا البعض ومع غيرنا ، وإذا واصلنا المقاربة والمقارنة بنفس الكيفية سيسوء حالنا أكثر فأكثر.
قد نفوز عليهم في مباراة كروية واحدة ونستنسخ تجاربهم ونستفيد من إطاراتهم ومدربيهم ولكن المشكل في الأذهان والعقول والممارسات والمشكل في الفرق بين سياساتهم الكروية وسياساتنا وبين ثقافتهم الكروية وثقافتنا وكذا بين اقتصادهم واقتصادنا وثقافتهم وثقافتنا ومجتمعاتهم ومجتمعاتنا ووو...
سنبقى نتفرج عليهم ونستمتع بما يفعلون ونتحسر على حالنا البائس التعيس، وستزداد الهوة بيننا وبينهم أكثر إذا واصلنا التفكير بنفس العقلية الحالية!